Powered By Blogger
أهلاً وسهلاً بكم في مدونة منحل الديوانيه ......... يسرنا مشاركتك فيها
Welcome to Diwaniyah Apiary Blog... We are pleased to hear from you

02‏/03‏/2011

نَحْلٌ وعَنَاكِبُ




د. توفيق قريرة
الإهداء : إلى كلّ من صنع ثـَوْرَة جَناهَا جَنَى النّحْلِ وخُيوطُهَا ليْسَتْ مِنْ سَدَى العَنْكَبُوتِ.
كنت واحدا من خمسة أطفال أنجبهم مزارع بسيط في ضيعة تاه عنها التاريخ وتناستها الذاكرة.. كنت أقطن مع والديّ وإخوتي الخمسة كوخا وضيعا يشوي جلودنا في الصيف ويجمّدها في الشتاء.. وكان منزل صاحب الضيعة مغلقا على مدار العام لا يقصده أصحابه إلاّ في موسمي جني العسل أوّل كلّ صيف وآخر كلّ خريف..
كان العسل ذهبيّا متنوّع المذاق.. وكان والدي ينقل صناديق النحل بين السهول القريبة في الربيع والجبال المحيطة في الصيف.. وكنت أرافق بعض أسرابها في مراعيها أرقبها وأخالها ترقبني حتى بدا لي أني بتّ أستمع إليها وهي تحكي للزهر قصصا يحزن لها ويذبل.. كانت لا ترغب في أن يسلب عسلها صاحبُ الضيعة؛ وكانت لا تعلم كيف تصنع حتى تمنعه من ذلك..
لا أدري كم مرّ من وقت بعد ذلك لكنّي بتّ أسمع للنّحل طنينا ليس كالذي كنت أسمعه؛ وصرت أرى جماعاتها لا تذهب باتجاه الزهور بل كانت تشرّق مرة وتغرّب أخرى قبل أن تعود في أسراب كثيفة متحدة لا تلوي إلا على الحقّ.. في ذلك اليوم كان صاحب الضيعة برفقة والدي يساعده على جني العسل وكنت غير بعيد عن المشهد.. رأيت النحل يخرج من بيوته ويعلو ثمّ ينخفض ويحيط برأس صاحب الضيعة.. جرى في كل اتجاه وحاول أن ينفض عن وجهه ما علق من نحل.. كان يصيح ويصيح.. لم يستطع والدي أن يمنعه من لدغات النحل.. سقط كثير من النحل ميتا قبل أن يسقط صاحب الضيعة وقد علته الأورام من عينه وأنفه وذقنه وفمه.. كان يصيح ويتلوّى قبل أن يغادر باتجاه بيته ..
خرج لسماعه ابنه وكان أصفر طويلا لا يرتاح لمرآه من يراه.. اتجه إلى بيت النحل وأمر أبي بإدخال يديه. فعل والدي وأخرج له شيئا من العسل..'أشاح الابن بوجهه وألقى بيده داخل بيت النحل نفسه.. صاح فجأة ..فهمت أنّ النحل لا يريد لصاحب الضيعة ولا لأبنائه إقامة هنيئة.. ما هي إلاّ لحظات خرج فيها النحل من جميع البيوت وهاجم كلّ العائلة حتّى غادرت الضيعة وكلها لسع وأوجاع.. كنت حزينا للنحل الذي قضى.. لست أدري لماذا يموت النحل حين يلسع ابن آدم يا أبي؟ أجابني وهو يضحك: لأنّ دم الآدميّين ملوّث.
حين عاد النحل باتجاه بيته سمعت طنينه الذي كنت أسمعه أوّل مرة.. في ذلك اليوم خرج النحل ليلا على غير عادته ورسم على مدار القمر خيطا مسترسلا.. خيّل إليّ أنّ النحل صار جزءا من بهر القمر.. رأيتها كائنات نورانية ...
في الليلة الموالية رأيت نحلا آخر وآخر يرسم بجسمه خيطه النورانيّ على دائرة القمر فعرفت أنّ جماعات أخرى من النحل باتت ترفض أن يستباح عسلها..
في الخريف عاد إلى الضيعة صاحبُها ليجتني عسلها ..قال'والدي إنّه يراهن على أنّ ذاكرة النحل قصيرة، فستنسى حكاية الصيف وتخاف أن تموت من اللسع شِدادُها.. قلت : وهل هي كذلك؟ قال : من كانت ذاكرته في لسانه أسقطها في أوّل دورة لسان؛ ومن كانت ذاكرته خزّان أعماله ادخرها إلى يوم الضيق. ذهبت إلى النحل لأخبره بنوايا صاحب الضيعة.. فسمعت طنينه الذي سمعته في الجبال.. حمدت للنحل دوام ذاكرته.. في اليوم التالي فوجىء صاحب الضيعة ولم أفاجأ.. غادر'مورّما يلعن النحل وأشواكه.. ما شدّني في الواقعة أنّ النحل كان يلسع وقلّما يقع.. قلت لوالدي لقد تعلم النحل درسا جديدا :يلسع ليحيا لا ليموت.
مرّت سنوات لم يزرنا فيها صاحب الضيعة إلاّ لماما.. لم يكن يسأل والدي عن النحل ولا العسل.. ذات يوم دعانا الوالد إلى أن ننتقل إلى منزل صاحب الضيعة لنسكنه.. بتّ قادرا على أن أرى وجهي في المرآة.. هذّبت من سحنتي ومن ملبسي حتى أُسَرّ بمرآي.. حتى والدي صار يشبه صاحب الضيعة.. جلب عائلة أخرى سكنت الكوخ وكان فيها طفل يراقب النحل.. ويتبعه حيث يضعه أبوه.. نسيت ملامح النحل ولم يعد يعنيني.. صرت مولعا بشاربي وبطلعتي لا أنظر إلى الجبل إلا قليلا ولا أرى الشمس إلاّ حين تغيبها السحب.. لم تعد أنوار القمر تعنيني.. كانت أمي كلّ ليلة تدعو أبي إلى أن يجمع النحل.. في غد ليلة من تلكم الليالي قصد أبي صحبة ساكن الكوخ بيوت النحل ليجتني العسل.. أدخل يده فلسعها النحل.. تقدّمتُ كالأهوج من النحل فحطمت بيتا من بيوته.. كان ذلك الطفل هناك.. ووالدي يتلوى من الألم.. قصدني النحل.. حام حول جمجمتي.. أشرت إلى ذلك الطفل أن يتدخّل بيني وبين النحل الغاضب.. جاء فحدّثه فتفرق: قال : تعال إلى كلمة سواء بينك وبين النحل : لا تسرق متاعها لا تؤذك.. مددت يدي أصافحه ليكف أذى تلك الحشرات عني..
لم يكحّل النوم جفني.. كنت أعشق وجهي وأخاف أن يدمّره اللسع وكنت اشتاق العسل لأنّ أمي قالت إنه يصفي البشرة.. امتلأت من الحقد على النحل.. ألم يُخلق ليكون في خدمتنا؟ لماذا لا يؤمن كلّ بمقداره ؟ لماذا يتمرّد الصغار على الكبار أمثالنا؟ أهو عدل أن أعيش تحت رحمة طفل النحل وابن الكوخ ذاك؟
قررت أن أثأر. خرجت ليلا إلى حارة العناكب وعقدت معها اتفاقا.. في اليوم التالي ولمّا كان النحل يرعى مطمئنا ..كانت جماعة العناكب ترمي بخيوطها على طول أبواب بيوت النحل وعلى عرضها.. منع النحل من الدخول ومن غامر وقع في شباك العناكب..كان العسل هناك آمنا ووحيدا.. أدخلت يدي..كان بالداخل نحل آخر.. لسعني.. تحملت اللسع آملا أن يموت في الداخل الآلاف.. لم يمت شيء.. غير يدي.. تركتها هناك.. نسج العنكبوت عليها خيوطا.. كانت الخيوط ضعيفة لكنّ يدي كانت وهي في الداخل أضعف.
http://www.alquds.co.uk/index.asp?fn...5\27qpt896.htm



ليست هناك تعليقات: