Powered By Blogger
أهلاً وسهلاً بكم في مدونة منحل الديوانيه ......... يسرنا مشاركتك فيها
Welcome to Diwaniyah Apiary Blog... We are pleased to hear from you

24‏/09‏/2010

عسّـــــالـــــو هـــذيــــــــل


سامي مهدي
عرفتً العربُ العسل وتغذت به منذ العصر الجاهلي. وقد وردت إشارة إليه في القرآن الكريم (سورة النحل: 68 و69) ولكنه ذكر قبل ذلك في شعر هذيل. وهذيل قبيلة عربية كبيرة مشهورة تنتسب إلى جدها هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد. فهي قبيلة معدّية (عدنانية) إذن ، ونسبها يلتقي بنسب الرسول محمد صلى الله عليه وسلم عند جده الخامس عشر: مدركة بن إلياس. أما موطنها ففي جبال السراة بين مكة والمدينة ، إذ كان لها بعض هذه الجبال ، وكان لها منها صدور أوديتها وشعابها الغربية ، فعرفت بسراة هذيل ، وبلاد هذيل ، وأرض هذيل. ونفهم من ذلك أن هذيلاً لم تكن من البدو الرحّل ، كما ظن بعض الدارسين ، بل كان لها موطن ثابت معروف في الحجاز حتى تفرقت في البلاد بعد ظهور الإسلام.
وقد نستثني من ذلك بني لحيان بن هذيل. فالظاهر أن قسماً من هؤلاء ، وربما كلهم ، رحلوا من موطنهم في زمن ما من الألف الأول قبل الميلاد ، واستوطنوا ديدان (العلا) وما حولها في شمالي الحجاز ، واستطاعوا أن يؤسسوا لهم مملكة صغيرة هناك في النصف الثاني من القرن الخامس قبل الميلاد ، ثم أسقط الأنباط هذه المملكة ، ولكنها عادت إلى الحياة من جديد بعد سقوط مملكة الأنباط على أيدي الرومان (106م) ودامت ، حسب بعض المصادر ، حتى عام (150م). ويبدو أن بعض اللحيانيين ، وربما كلهم ، عادوا إلى موطنهم الأول ، من سقوط مملكتهم ، هذه المرة.
كانت هذيل تعيش على رعي الإبل والشاء. وهناك ما يدل على أن بعضها مارس الزراعة ، وبعضها مارس اشتيار العسل. وهذا دليل آخر على ثباتها في موطنها. ولكن حالها كان ، كحال القبائل الأخرى ، فيها الغني والميسور ، والفقير والمعدم ، وظهر من فقرائها ومعدميها بعض الصعاليك الذين يمتهنون الغزو والإغارة ، ومن هؤلاء بعض الشعراء ، كالشاعر أبي كبير عامر بن الحليس وغيره.
وقد عرفت هذيل بفصاحة لغتها ، وكثرة شعرائها وجودة أشعارهم ، حتى قال فيها الشاعر حسان بن ثابت "إنها أشعر أحياء العرب". وقال النحوي يونس بن حبيب: "ليس في هذيل إلا شاعر أو رامْ أو شديد العدو". وقال الراوية الأصمعي: "إذا فاتك الهذلي أن يكون شاعراً أو رامياً فلا خير فيه". وقال الزبيدي ، صاحب تاج العروس: "وهذيل أعرقت في الشعر". وقيل ، أيضاً: "إذا أنجب الرجل منهم عشرة من البنين كانوا كلهم شعراء". ومن هؤلاء أبو خراش وأخوته. ولذا وجد النحاة وعلماء اللغة ومفسرو القرآن الكريم في شعر هذيل مادة غنية يعولون عليها في عملهم. وقد عني بشعرهم كبار الرواة ، كالأصمعي ، وغرر الأئمة ، كالشافعي ، ناهيك من خيار المؤلفين والشرّاح كأبي فرج الأصفهاني ، وأبي سعيد السكري. وكتبت ، في عصرنا هذا ، دراسات أكاديمية عديدة عن هذا الشعر وشعرائه.
ومن أبرز شعراء هذيل: أبو ذؤيب ، وساعدة بن جُؤيّة ، والمتنخّل ، وأبو كبير ، وأبو خراش. ولكن الغريب أن ما وصلنا من شعر هذيل هو المتأخر منه ، فكله يعود إلى شعراء أدركوا الإسلام وعاشوا زمناً من القرن الأول الهجري. فهم ، كما يقال عادة ، شعراء مخضرمون. فهل كان لهذيل شعراء أقدم من هؤلاء وضاع شعرهم فلم يصلنا؟ هذا ما لا نملك جواباً حاسماً عنه.
ربما كانت هذه المقدمة الطويلة عن هذيل ضرورية للحديث عن صورة فريدة من صور الشعر الجاهلي: صورة لا نجدها إلاّ في شعرها ، وموضوعُها النحل والعسل والعسّالون وعملهم وأدواتهم. فالظاهر أن بيوت النحل وخلاياه كانت كثيرة في بلاد هذيل ، فكان منها عسّالون يشتارون عسله في المواسم ، فلفتت هذه الظاهرة أنظار الشعراء ، ولذا كثر ذكر النحل في أشعارهم. غير أن شاعرين ، فقط ، أعطيانا صورة متكاملة عن هذا كله ، هما: أبو ذؤيب الهذلي ، وساعدة بن جُؤيّة.
أما أبو ذؤيب فقد تناول الموضوع في ثلاث من قصائده ، وأما ساعدة فتناوله في قصيدتين ، وكلاهما ضارع الآخر في براعة الوصف ودقة التصوير ، وكمّل صور الآخر أو أضاف إليها ما فاته منها. وقد وصفت هذه القصائد النحل وصغاره ويعاسيبه ، وبيوته ومواضعها وكيفية بنائها بالشمع ، وطيرانه من حولها طوال النهار ، وسرعته الفائقة في الطيران ، فهو ينطلق كالسهام وينتشر كدقاق الحصى ويأتي بالشمع من حيث لا يعرفون، وكان يبني بيوته في كوى وشقوق في أعالي الجبال ، لبرودتها وصلاحها للتعسيل. كما وصف أبو ذؤيب وساعدة مشتار العسل ، وعملية الإشتيار ومشقاتها. فمشتار العسل رجل نحيف ضامر ، خفيف الحركة ، لا يبالي بمخاطر مهنته ، وربما تآكلت أظفاره لفرط احتكاكها بالصخور. فهو يرتقي الذروة ، التي يوجد فيها بيت النحل ، من خلفها ، حتى إذا بلغ أعلاها ضرب له وتداً هناك ، وشد بالوتد حبلاً ، وربط نفسه بالحبل ، ثم تدلى منه نحو بيت النحل وهو يتطوح كثوب خلق ، وتحت إبطه سقاء (قربة) يجمع فيه العسل ، ومعه عيدان يستخرجه بها من الخلايا ، وفي يده عود آخر في رأسه خرقة مدخنة يطرد بدخانها النحل من بيوته قبل اشتيار عسله. وهو ، في كل ذلك ، لا يخشى انقطاع الحبل ، حتى لو كان عليه أن يتدلى به ثمانين قامة وسبعين باعاَ ، كما يقول أبو ذؤيب.
على أن هذا الوصف حافل بالصور ، وصوره زاخرة بالحيوية والحركة ، تتضافر معاً على رسم مشهد كلي ذي جمال مؤثر آسر ، وهو مشهد استمده الشاعر من حياة قبيلته ونمط عيشها ، فلا نجد له مثيلاً في الشعر الجاهلي ، بل نجد ما يوازيه من مشاهد وصف النوق والحمر الوحشية والخيل وغيرها ، مثلما نجدها في شعر هذيل نفسها. فهو ، إذن ، مشهد نادر ، بل فريد ، وفرادته تجعله طرفة من طرف الشعر العربي برمته.
ويظهر من مجمل الوصف أن الهذليين كانوا لا يتناولون العسل حراً فقط ، فكانوا ـ أحياناً ـ يمزجونه بالخمر ليسوغ شرابه ، وأحياناً يمزجونه بمياه الغدران الصافية ، وقد يتناولونه بعد أن يجف قليلاً ويصلب ويبيضّ. والعسل عندهم شفاء ، سواء أكان ممزوجاً أم خالصاً ، فساعدة يقول: "وكان شفاءً شَوْبُها وصَميمُها". وكانوا يرون أن خير العسل ما كان نتاجاً حديثاً لأبكار النحل. ومع ذلك كانوا يرون أن هذا العسل ، الذي يشتار بمثل تلك المشقة ، ليس بألذ طعماً أو أشهى من ثغور حبيباتهم.
وقد أصبح لدينا من هذا الوصف قاموس حًرَفي خاص بموضوع النحل والعسل والعسالين وعملهم وأدواتهم. فالنحل هو النحل ، وأمير النحل هو اليعسوب (أو الخشرم ، في بعض شعر هذيل). والجرس هو ما يأكله النحل من شجر أو ثمر ليعسّل. والعسل هو الأري ، وهو الضَّرَب إذا صلب واسترخى وابيض. وبيت النحل (خليته) هو الوَقْب أو الوقبة. أما جَنْي العسل فهو الاشتيار ، وجانيه هو المشتار. وعدّة المشتار في عمله خيطة (أي وتد) يضربها في أعلى الذروة ، وسًبّّ (أي حبل) يتدلى به ، وأخراص (أي عيدان) يستخرج بها العسل من الخلية ، وعود إيام (أي دخان) يطرد به النحل ، وخافة ، أو مسأب (أي سقاء) يجمع عسله فيه.
وبرغم هذا ليس لدينا ما يدل على أن هذيلاً عنيت بتربية النحل وإكثاره. ويبدو أن عسّاليها كانوا يكتفون باشتيار عسله وتتكفل لهم الطبيعة بالباقي. ولكن لا يستبعد أن تكون هناك قبائل عربية أخرى تسكن القرى قد عنيت بتربيته ، كثقيف مثلاً. فالطائف ، موطن ثقيف ، كانت عامرة بالبساتين ، وكان سكانها يحيون حياة اجتماعية واقتصادية رخية ومستقرة حتى إن أغنياء المكيين ، وربما غيرهم أيضاً ، كانوا يستثمرون بعض أموالهم فيها. وبعد فهذا أنموذج اخترناه من شعر أبي ذؤيب للتمثيل على ما تقدم:
عُقارّ كماءً النًّيءً ليست بخَمْطةْ ولا خَلَّةْ يكوي الشروبَ شهابُها
توصَّلُ بالركبانً حيناً وتُؤلفُ الجـــوارَ يُغشّـيها الأمانَ رًيابُها
فما برحتْ في الناسً حتى تبيّنتْ ثقيـفاً بزيـزاءً الأشاةً قًبابُها
فطافَ بها أبناءُ آلً مُعتًّب
وعزَّ عليهم بيعُها واغتصابُها
فلما رأوا أنْ أحكمتهم ولم يكنْ
يحلُّ لهم إكراهُها وغلابُها
أتوها بريحْ حاولتْه فأصبحتْ
تُكَفَّتُ قد حَلَّت وساغَ شرابُها
بأريً التي تهوي إلى كلّ مَغرب
إذا اصْفَرَّ لًيطُ الشمسً حانَ انقلابُها
بأري التي تأري اليعاسيبُ أصبحت
إلى شاهقْ دون السماءً ذؤابُها
جوارسُها تأري الشعوفَ دوائباً وتنقضُّ ألهاباً مَصيفاً شًعابُها
إذا نهضت فيه تصعَّدَ نفرها
كقترً الغلاءً مستدرّاً صيابُها
تظلُّ على الثمْراءً منها جوارسّ مراضيعُ صهبُ الريشً زغبّ رقابُها
فلمّا رآها الخالديُّ كأنها
حصى الخذْفً تكبو مستقلاً إيابُها
أجَدَّ بها أمراً وأيقنَ أنَّه
لها أو لأخرى كالطحينً ترابُها
فأعلقَ أسبابَ المنيّة وارتضى
ثقوفتَه إنْ لم يخنْه انقضابُها
تدلّى عليها بين سًبّْ وخَيْطَة
بجرداءَ مثلً الوكْفً يكبو غرابُها
فلما اجتلاها بالإيام تحيَّزت
ثُباتْ عليها ذلُّها واكتئابُها
فأطيبْ براحً الشامً صرفاً وهذه
معتَّقةً صهباءَ وهي شيابها
http://www.addustour.com/ViewTopic.aspx?ac=\Supplement2\2010\09\Supplement2_issue1078_day24_id268155.htm

ليست هناك تعليقات: