سحر نحل العسل الانسان منذ بدايات التاريخ المسجل، وعلى الاغلب قبل ذلك، وحظي بالتقدير لما يوفره من مادتين كانت لهما على الدوام اهمية كبرى عند الانسان: العسل والشمع، كما اثارت هندسة اقراص العسل وطبيعة الحياة المجتمعية لآلاف الافراد ضمن الخلية الواحدة، اعجاب الانسان على مر العصور، وجاء كشف دوره في نقل حبوب اللقاح وتحقيق الاخصاب عند عدد كبير من انواع النباتات ليضيف قيمة كبرى له في حياة الانسان وفي الانظمة البيئية بشكل عام.
نحل العسل هذا، كتبت عنه اعداد كبيرة جدا من المقالات والكتيبات والكتب، الا ان الكتاب الجديد هذا ''نحل العسل المعجزة'' قد يكون احد افضل الكتب التي عالجت كل ما يتعلق تقريبا بهذا النحل.
الكتاب من تأليف د. يورغن تاوتز الاستاذ في معهد السلوك الفسيولوجي والسوسيولوجي في جامعة فورتسبورغ ورئيس فريق بحوث النحل، والذي حقق عددا كبيرا من الاكتشافات العلمية التي غيرت كثيرا من المفاهيم السائدة عن نحل العسل. والمترجم الدكتور نزار جمال حداد مدير وحدة ابحاث النحل في المركز الوطني للبحث والارشاد الزراعي والباحث في مجال نحل العسل. وقد قدم اضافة لترجمته لهذا الكتاب القيم، العديد من الكتب والنشرات والمطويات الارشادية وشارك في اعداد قاموس عن نحل العسل.
جاء الكتاب في 288 صفحة من القطع المتوسط، وفي اقسام عدة، وتميز باخراجه الفاخر، واسلوبه السلس وصياغته المتقنة وذلك العدد الكبير من الصور التوضيحية الفريدة التي غطت مختلف جوانب حياة النحل، وتبعا لما يقوله المؤلف في مقدمة الطبعة الالمانية، فان نحل العسل بقي وعبر الازمنة المتعاقبة وفي جميع الثقافات رمزا لصفات ايجابية ومرغوبة، كالانسجام والعمل الدؤوب، ونكران الذات، بينما تكشف البحوث الحديثة النقاب عن بعض التفاصيل، الدقيقة في طبيعة حياة نحل العسل، التي قد تجرده من هذه المنزلة الاسطورية، وتمدنا في الوقت نفسه بنظرة متعمقة لأحد اكثر اشكال الحياة التي نعرفها اثارة.
ويقول المؤلف ان الفكرة الرئيسة لموضوع الكتاب تدور حول تشارك خلية نحل العسل بمجموعة من الصفات مع الثدييات او الكائنات عالية التطور، ومع الكائنات وحيدة الخلية، مما جعلها تحتل مكانة متميزة بين الكائنات الحية.
بالمقابل، يقول د. حداد مترجم الكتاب انه بعد ترجمة هذا الكتاب الى ثلاث عشرة لغة في عام واحد، تأتي هذه الترجمة الى العربية لتقدم الى القارئ العربي كتابا متميزا يأتي بأدق العلوم واصعبها فهما بطريقة سهلة، ويقول ان الكتاب يزيل القناع عن الكثير من المعلومات الغامضة التي احاطت خلية النحل. وقد ازال كثيرا من المفاهيم التي بدت اعجازية في سلوكه معطيا اياها تفسيرا علميا منطقيا مبنيا على تكامل جميع افراد الخلية في كائن واحد اطلق عليه اسم ''الكائن المتفوق'' او ''الكائن فائق التنظيم''.
الكتاب بمادته العلمية الرصينة، ومعلوماته الحديثة الزاخرة، واسلوبه المتقن السلس، يمثل بحق كتابا تجدر قراءته من قبل الانسان المختص والقارئ العادي، ويمثل اضافة حقيقية قيمة للمكتبة العلمية العربية، وقد استحق بجدارة جائزة جامعة فيلادلفيا لأفضل كتاب مترجم في العلوم البحتة والطبيعية لعام 2008م، ولعلنا مع كتاب من هذا النوع نستذكر الاسى الذي نعيشه ونحن نشاهد ذلك العدد الكبير من الكتب (العلمية) التي تزخر بها المكتبات والتي لا تساوي في قيمتها قيمة الورق الذي طبعت عليه، لذلك الضعف الكبير فيها لغة واسلوبا ودقة واخراجا، وفي الوقت نفسه نتطلع الى ذلك اليوم الذي تكثر فيه اصداراتنا من مثل هذا الكتاب، والى الوقت الذي يدرك فيه كل مختص في مجال العلوم البحتة او التطبيقية ان اصدار الكتاب لا يقتصر على مجرد كتابة بعض الصفحات، فتأليف الكتب ونشرها صناعة متقدمة بكل معنى الكلمة، واضافة للكاتب هناك ما يسمى المحرر العلمي والمحرر اللغوي والمحرر الفني والمصمم، والذين بتعاونهم جميعا يخرج بالصورة التي يحقق فيها الفائدة والمتعة المستهدفين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق